طارت الأم من الفرح عندما أخبروها أن مولودها الجديد بنت ها هي الأمنية تتحقق بعد أن رزقها الله طفلة جميلة بوجه بريء .., لكن الأم تكتشف بعد قليل أن الطفلة التي انتظرتها طويلا جاءت إلى الدنيا بلا ذراعين تواجه بهما الحياة! وبرغم هذا استطاعت الأسرة, بالصبر والإيمان, أن تجتاز المحنة وتقدم للدنيا فتاة رائعة .
إيمان في الثامنة من عمرها الآن تفعل كل شيء بأصابع قدميها .. وتبتسم للحياة .
في بيت متواضع في غزة وظروف مادية صعبة وبلا خبرة وجدت الأم نفسها أمام الحالة. تدرك أن الحياة صعبة على الجميع , فما بالك بإيمان وهي تفتقر إلى أهم الأطراف .
وكان لابد من الصمود أمام تساؤلات الناس الجارحة ونظراتهم الفضولية بل همساتهم الفظة, ولكن ليست هذه هي الأساسيات التي كانت تشغل ذهن الأم, فهي تفكر: كيف ستواجه صغيرتها متطلبات الحياة؟ .
عندما كانت إيمان في الشهر الرابع من عمرها أيقنت الأم أن الطفلة, وقد حرمت من ذراعيها, لا سبيل إلى تدبير أمورها الا باستخدام قدميها . ووحدها في رحلة عذاب طويلة راحت تدبر الرضيعة علي مواجهة الحال. تضع قطعة البسكويت بين أصابع قدميها وتجعلها تبكي جوعا تهرع إلى غرفة أخري لتبكي هي أيضا إلى أن تهتدي الرضيعة إلى حل تلهمها إياه القدرة الإلهية في نقل البسكويت إلى فمها بقدميها وكبرت الطفلة في أسرة تحترم حالتها ولا تتعامل معها كمعوقة.
وقد أنجبت الأم بعدها شقيقتها شروق وهي طبيعية تماما.
إيمان اليوم في الثامنة من عمرها, تعيش طفولة عادية بل وتتحمل من المسؤوليات فوق ما تتحمله الصغيرات في سنها اللاتي ولدن في بيوت يقوم على خدمتها الخدم والحشم. إيمان سعيدة لأنها تمد يد المساعدة لأمها كاى طفلة نشيطة. لا شيء يزعجها إلا كثرة أسئلة الصغار وهي لا تمتلك إلا ردا واحدا: هذه إرادة الله وقد قبلتها بالرضا.
وتلتحق إيمان بمدرسه المعوقين لتزداد مهارتها فهي اليوم تقرا وتكتب باستخدام أصابع قدميها كي تخيط الثياب مستخدمه الأبرة والخيط بمهارة فائقة, تعزف قليلا من الموسيقى وتحب ألعاب الفيديو وتتفوق على أقرانها فيها وتتناول طعامها وشرابها بصورة طبيعيه وتغسل الصحون والأوانى, المشكلة الوحيدة التي تواجهها هي إرتداء ملابسها .
هذا الوجه الملائكي البريء مطمئن إلى الدنيا رغم أنها حرمته أغلى القدرات.
أنهت إيمان دراستها في الصف الثاني الابتدائي, لتجد نفسها إزاء وضع صعب, فلا يوجد نظام في الجمعيات المتخصصة بهذه الحالات يتيح لها الاستمرار, بل إن الخطة الحكومية تقتضي بضرورة دمج المعاق في المجتمع وإرسال الأطفال إلى مدارس عادية, وإيمان تحديدا لا تستطيع الإقدام على هذه المجازفة. لأنها بغياب ذراعيها, تفقد توازنها لو تعرضت لأي حركات غير محسوبة, وهي أمور لابد منها في مدرسة عادية وسط حماس الأطفال واندفاعهم .
تبحث إيمان عن وسيلة تتعلم معها أصول الفقه والدين, وتحفظ القران, تحلم بأن تصير معلمة, تحلم بأن تمتلك كمبيوتر وتجد من يعلمها قواعده. ولكن الكمبيوتر غالي الثمن وتعلمه يحتاج إلى ميزانية لا تتوافر لدى أسرتها, حيث يعمل والدها وشقيقها كمال في التمديدات الصحية.
مع ذلك تبتسم إيمان وهي توقن بأن الله فوق كل شيء وأن شيئا ما سيحدث يجعلها تجتاز محنتها وتحظى بفرصة تضمن مستقبلها. هل ستحدث مثل هذه المعجزة ؟؟
إن إيمان صورة حية لإرادة قوية وإيمان عميق وحظ قليل في مواجهة حياة قاسية .
طالبة مثالية
وتقول الطالبة إيمان والابتسامة لا تفارق وجهها أنا إنسانة من حقي أن أعيش مثل أي طفلة ومن حقي أن أتعلم ويكون لي وجود في المجتمع ولا أعرف اليأس في حياتي حتى وأنا في المدرسة وعانيت كثيرا حتى أتمكن من مساعدة نفسي وقد وهبني الله القدرة على أن أقوم بالدراسة والأكل منذ الصغر بقدمي ودون مساعدة أي أحد.
وتضيف وهي تكتب بقدميها: طموحي أن أصبح في المستقبل معلمة لأننى أحب العلم كثيرا وأكثر مادة أحبها هي الرياضيات وبفخر وفرحة ممزوجة على محياها الطفولي الجميل قامت لتأتي لنا بشهادة تكريم كطالبة مثالية منحتها لها إدارة مدرستها.
وعن هواياتها التي تحب ممارستها تقول: أحب النشيد والكتابة ورياضة قفز الحبل واللعب على جهاز الكمبيوتر .
تحدى المستحيل
وكانت إيمان وإلى جانبها والدتها تستمع إلى كلامها فتدخلت في الحديث قائلة إن ابنتي تعتمد على نفسها في كل شئ في أكلها وفي دراستها وعندما تقوم من النوم تغسل وجهها وتتوضأ وتصلي وتجهز نفسها للذهاب إلى المدرسة كما أنها تلعب على الكمبيوتر بشكل جيد وتستخدم الرسم على برنامج الرسام.
وتبين أن ابنتها إيمان مثال للإرادة وتحدي المستحيل فقد ولدت بدون يدين وظن البعض أن ذلك سيكون عجزا لها وسيحبطها في حياتها ولكنها تحدت عجزها وجعلت من ابتسامتها الدائمة أملا لها في الحياة بصورة طبيعية كباقي الأطفال فهي تلعب وتمرح وتدرس وتتفوق على باقي زميلاتها.
وأشارت الوالدة إلى أن إيمان تأكل لوحدها بواسطة قدميها دون مساعدة أحد وهي تحرص دائما على أن تكونا نظيفتين بشكل دائم حيث تضع المعلقة ورغيف الخبز بين أصابعها وتأكل وحدها كما أنها تقطع الخضراوات والفواكه بنفسها